05‏/05‏/2012

في جمهورية مآذن حزب البعث في سورية .. اضحك مع "الجهاديين"

http://www.arabi-press.com/userfiles/jihad7337.jpg


 استفاق من غيبوته بعد عدة أيام, حيث كان يرقد في قسم العناية المشددة في مستشفى الباسل في طرطوس, ليسأل مباشرة عن الحبيب المصطفى وحوريات الجنة.. إنه أحد "الجهاديين" العرب(قد يكون سوريا بيد أن هذا لا يهم) الذين قُتلبعضهم في اشتباك مع إحدى الدوريات الأمنية قرب جسر الصفصافة في محافظة طرطوس, وجُرح بعضهم الآخر, وتم إلقاء القبض على المتبقي منهم, وذلك بتاريخ التاسع من نيسان الماضي. لم يكن الجهادي سابق الذكر استثناء في سورية, لا من حيث وجوده ولا من جهة ما يُمني النفس به باذلاً الروح في سبيل الوصول إليه, فقد سبق أن ذكرت صفحات ناشطين سوريين على الفيسبوك أحداثاً مشابهة للحادثة المذكورة آنفاً, فقد ألقت الجهات المختصة القبض على "مجاهد" ليبي في حمص وفي حوزته سبعة عشر كيلوتاً نسائياً مغرياً, كان يعزم أخذها إلى حوريات الجنة عقب "استشهاده" بحسب زعمه! في حين تفيد حادثة أخرى أن جهادياً آخر كان يصرخ في وجه المحقق الأمني دون سبب, وعندما سأله الأخير عن السبب, أجابه "الجهادي" بصوت مرتفع لا يخلو من اللوم: "لقد حرمتني من العشاء مع حبيبي رسول الله"! في إشارة منه لعدم قتلهم له في أرض المعركة! هل ثمة غرابة فيما ذكرناه؟!

من المفترض أن العشرات من قبيل هذه القصص والحوادث جرت في سورية عقب إعلانها أرض "جهاد"(مطلع الشهر 12 العام الماضي عبّر الظواهري عن دعمه لـ"ثوار" سورية, عازماً مدّهم بالجهاديين, وكان قبل هذا التاريخ أعلن سورية أرض جهاد), لكن قلّة من السوريين, بمن في ذلك من هم في موقع المسؤولية بمختلف مسمياتها, سأل نفسه عن الذي أوصل قسماً من السوريين إلى هذا المستوى المنحط من التفكير وبالآتي السلوك.. نقول السوريين, باعتبار أن "المجاهدين" غير السوريين مهما كثر عددهم يبقون قلّة قياساً بحملة العقل التكفيري والاقصائي من أبناء سورية اليوم.

صدر قرار في تسعينات القرن الماضي عن وزارة الزراعة السوريّة(لقيّ تشجيعاً ومباركة من رئاسة الوزراء حينها) يقضي بعدم الترخيص للمزارعين بغية حفر آبار جوفية, بذريعة الحفاظ على المياه الجوفية السوريّة، عندما صدر ذلك القرار الذي يتذكره بعض السوريين في جلساتهم من دون أن يعنيهم رقم القرار وتاريخه, فإنهم يذكرون كيف أنه كان قراراً مجحفاً من جهة عدم مراعاته بين منطقة وأخرى, فمثلاً إذا كان ثمة خطر على المياه الجوفية في غوطة دمشق فكيف يمكن أن تكون المخاوف نفسها في سهل حوران الذي يعتاش على الزراعة بشكل رئيس؟ وفي هذا السياق يفيض أحد المزارعين الحوارنة بالقول: "نحن نعيش على الزراعة, ومنعوا فتح الآبار كي نروي مزروعاتنا, لكن الحوض الجوفي المائي الذي كانت تنهل منه آبارنا يمتد إلى الأردن وإسرائيل وكلاهما يستفيدان منه هناك, فكيف نُحرم نحن منه بحجة الحفاظ على المياه الجوفية؟!", ويتابع بحرقة: "كانت النتيجة أن هاجر الكثير من شباب حوران إلى دول الخليج عامة والسعودية خاصة بغية العمل".. طبعاً لا حاجة كي يضيف المزارع الحوراني أية كلمة أو جملة بعد إفادته بهجرة شباب منطقته إلى مشيخات الخليج العربي, فبدهي أنهم هناك, وعلى بساطتهم وضحالة مداركهم كمزارعين بالأساس, تلقحوا بالفكر الوهابي التكفيري الذي وجد فيهم تربة خصبة خصوبة سهل حوران, وعاماً إثر عام تشبعوا به إلى أن أصبح زادهم الروحي الحقيقي, وبدورهم نقلوه إلى مناطقهم في حوران, ساعدهم في ذلك المد الوهابي المتمثّل في الفضائيات المروّجة له, وهذا ما تجسّد عملياً في بداية الأحداث في درعا منتصف آذار 2011, حيث كانت جميع مساجد حوران دون استثناء تدعو للجهاد وتُحرّض لقتال الكفرة واليهود في إشارة صريحة منها لعناصر الأمن وقوى الجيش.

قبل استلام الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد الحكم في سورية, كان عدد الجوامع والمساجد في محافظة درعا دون أصابع اليدين عدداً, والأمر ذاته في مناطق الجزيرة السوريّة الممتدة من الرقة على الحدود التركية وصولاً إلى البوكمال على الحدود السوريّة- العراقية, وهذا ما يؤكده ياسين الحافظ في بعض كتاباته(بصفتنا, سمعنا المعلومة –عدا قراءتنا لها في تراث الحافظ- من المؤرّخ الميداني عبد الله حنا), وكانت علاقة جميع مسلمي تلك المنطقة بالإسلام كدين فطرية وعفوية, منفتحة بطبيعتها ومتسامحة تلقائياً, من بعد استلام الراحل حافظ الأسد مقاليد الحكم 1970 غرسها بالمساجد والجوامع بما يتبع ذلك من مأسسة وأدلجة للفكر الديني قبالة إهمال حقيقي لعوامل التنمية والتعليم من حيث بناء الجامعات في تلك المناطق التي تعتبر السلّة الغذائية لسورية, وكانت النتيجة الطبيعية لمثل ذلك, وبمرور الزمن, هي اتساع مساحة وجغرافية الفكر التكفيري الديني والاقصائي ومن ثمّ الدموي!

طبعاً, ثمة مفارقات عصيّة على التصديق, فقد كانت حوران هي خزّان حزب البعث وهذا ما يفسّر لنا راهناً أن الكثير من مفاصل الدولة هم حوارنة(فاروق الشرع, فيصل المقداد, رستم غزالي, سليمان قداح.. الخ), فيما أنجبت الجزيرة واحداً من أهم قادة ومؤسسي الحزب المذكور, ألا وهو جلال السيد ابن محافظة دير الزور!

الراجح أن النخبة البعثيّة كانت تشكّ في شرعية استلامها للحكم إثر انقلاب الثامن من آذار 1963 برغم عديد إنجازاتها -التي تكفل لها الشرعية- بمعزل عما اعتراها من نواقص وشوائب, فأرادت ممالأة الثقافة السائدة لدى المجتمع, وهي في مجملها ثقافة إسلاميّة(كانت منفتحة سنتذاك, فالسياق التاريخي لم يكن يسمح لها أن تكون نقيض ذلك)، وربما اعتقدت هذه النخب من خلال الممالأة أنها تكسبه(الشارع) فتسلم شرّه من جهة, وتبعده عن الحقل السياسي فتغطي على ممارساتها السلبية من جهة أخرى, كنهب بعض قياديي البعث للمال العام وإثرائهم الفاحش على حساب الجموع الفقيرة, بهذا المعنى عوضاً عن أن يزرع البعثيون سورية بالفكر العلماني المنفتح والمتقبّل للآخر قاموا بزرعها بالمآذن ومشتقاتها, بحيث صار يربو عدد الجوامع في سورية عن العشرة آلاف جامع " دون ان ينتبه القائمون على المساجد إلى ان اغلب من يرتادونها من البسطاء وقعوا ضحية دعاة سريين لا يعلنون وهابيتهم إلا بعد السيطرة على عقل المؤمن "، ناهيك عن المعاهد الشرعية الإسلامية الخاصة ومعاهد الأسد لتحفيظ القرآن... الخ, الأمر الذي يجعل الكثير من السوريين يخشى أن يكون ضحية ثقافتها وثقافة خريجيها لاسيّما من بعد أن تحولت البلد إلى جمهورية من المآذن فعلاً, هذا إن لم تكن ضحيتها الأولى هي سورية المجتمع والوطن.

فهل ثمة غرابة بعد الآن أن نصادف "جهادياً" سورية أو ليبياً أو أفغانياً في سورية يطلب الموت بغية العشاء مع السيد الرسول, أو بهدف الوصال مع حور العين في الجنة؟!

اقرأ المزيد :




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Syria - Find me on Bloggers.com