المقدمة :
كم تكلف الحرب العسكرية على روسيا والصين وإيران وسورية معا من مال ورجال ودمار ؟
وهل يمكن للأميركيين أن يشنوا حربا مدمرة على تلك الدول أصلاّ؟
لقد حاربت الولايات المتحدة ألمانيا وانتصرت عليها وعلى
اليابان في الحرب العالمية الثانية ولكنها لم تجروء على شن حرب على روسيا
ولا على الصين لأن الكلفة كانت عالية جدا ومدمرة بشكل خيالي ، لكن
الأميركيين أزالوا الإتحاد السوفياتي بلا حرب وقسّموا جمهورياته حتى أصبح
أغلبها مواليا لهم ومعاديا لوريثة السوفيات أي روسيا الإتحادية .
ما أسقط السوفيت كان حربا باردة شاركت فيها الأدمغة من كل
فروع المؤسسة الحاكمة خلف الإدارة الأميركية الأمنية والاقتصادية والسياسية
والدعائية ، وكان قصب السبق وصاحب الفضل في إنهاء الإمبراطورية الشيوعية
هو الاقتصاد والدعاية السوداء ضد الاتحاد السوفيتي بين شعوب جمهورياته التي
ما أن رأت في موسكو ضعفا حتى تحركت لنيل استقلالها.
دور مخفي لرجل ضعيف البنية عبقري الذهن والعقل غيبه
الأميركيون، وحتى الفيلم الذي أنتجوه لتكريمه (فيلم "العقل الجميل" للمخرج
جون هوارد والممثل راسل كروو) حكى عن كل شيء إلا عن دور نظرية جون ناش في
إسقاط الاتحاد السوفيتي.
لولا سباق التسلح لما أنهكت أميركا الاقتصاد السوفيتي ولولا
ضعف الاقتصاد ووجود فقر وفاقة وفساد وقلة خدمات وسوء إدارة مالية لما
استغلت الدعاية السوداء – الحرب الناعمة- تململ شعوب الإتحاد السوفيتي
ووجهت ملايينا من تلك الشعوب إلى التخلص من سيطرة وحكم الحزب الشيوعي بتلك
السهولة.
في واشنطن اليوم من أعاد الكرة ومن عاد إلى تلك النظريات عن
الحرب الناعمة التي يمكنها أن تعمل مجددا مثل نبيذ معتق ولكنه موضوع في
زجاجات حديثة.
والمفكرون الأميركيون في بحوثهم وفي شهاداتهم أمام الكونغرس
أو أمام مراكز البحث الأكاديمي وفي مقالاتهم لا يخفون شيئا كثيرا من خططهم
ويتساءل أحدهم:
ما نخشاه من حرب نشنها على إيران (لإسقاط مشروعها النووي
بإسقاط نظامها ويمكن أن يكلفنا مئات المليارات من الأموال ومئات الآلاف من
الجنود وخسائر يعلم الله مداها فقط في منطقة الخليج العربي) كاد " صبي
إنترنت" أسمه جاريد كوهين أن يحققه من خلال تعاونه مع بضعة ألاف من ناشطي
الانترنت الإيرانيين في الثورة الخضراء عام 2010 .
وما كانت تخشاه إسرائيل من سورية تكاد تتخلص منه بحراك بدأ
بتغيير تفكير عدد من ناشطي الانترنت بدعم من الفضائيات الموالية لأميركا
والطرفين غيروا بدورهم وجهة نظر عشرات ألاف السوريين فخرجوا يقاتلون
نظامهم بدل أن نقاتله نحن(الأميركيون)
ويضيف منطق الأميركيين الفاعلين في الإدارة : ما نخافه في
روسيا أي سياسة بوتين قد يريحنا منه ثوار روس يبدؤون بدعم منا ثورة في
بلادهم فتسقط موسكو من الداخل بدل أن نسقطها نحن .
ما هي نظرية جون ناش الذي توقع سقوط الإتحاد السوفيتي .
في خمسينيات القرن الماضي برز في الأوساط الأكاديمية
الأميركية عالم رياضيات واقتصادي من النوابغ هو جون ناش جونيور المولود في
العام 1928 ، والذي برزت مواهبه الغير اعتيادية في علوم الرياضيات البحتة
أثناء دراسته الجامعية في جامعة برنستون . وفي الثلاثين (1958) من عمره
أصيبت سمعته بدعاية أنه مصاب بلوثة عقلية سببتها له المخابرات الأميركية
لأنه كشف لزملائه العلماء في معهد ماساتشوتس للتكنولوجيا (MIT) عن إنجازاته في مجال التشفير وفي مجال فك شفرة الاتحاد السوفيتي (السابق) .
كان عالم الاستخبارات في ذلك الوقت يقدس السرية ويعاقب من
يخرقها بأشد الطرق ، وقد تعرض ناش للعديد من المصائب حتى الأربعينيات من
عمره حيث أعاد الأميركيون اكتشاف أهمية نظريته الاقتصادية – السياسية التي
أسماها
" نظرية اللعبة "
( The Game Theory )
النظرية بسيطة نظريا ولكنها عميقة جدا سياسيا واقتصاديا فهي
تركز على خوض غمار السياسة وفقا لتخطيط مسبق له علاقة بعلوم الرياضيات، أي
تحويل المعطيات والمعلومات السياسية والإستخبارية عن العدو إلى معلومات
رياضية تخضع لقواعد علمية مبتكرة على قاعدة التفاضل و وفقا لخطة عمل قوامها
فريق أميركي معني بالموضوع يخوض غمار لعبة سياسية متعلقة بخصم معين
للولايات المتحدة (سابقا كان الاتحاد السوفيتي هو الهدف والآن روسيا والصين
وإيران وسورية والمقاومة العربية) وفي اللعبة ينفذ أشخاص متمرسون علميا
وسياسيا أدوار الخصوم والأصدقاء .
بناء عليه فهم الأميركيون كيف يتخذ السوفيات قراراتهم
وتوقعوها بشكل مسبق ، ومن خلال المعطيات الرياضية والسياسية والاقتصادية
التي تدخل في سياق اللعبة فهم الأميركيون إن السوفيات يمكن أن يسقطهم منطق
ينتشر بين الشعب وبين المستوى الأولى والمتوسط من المسئولين عنوانه " بدنا
نعيش " و" شبعنا أيديولوجيات" . هو المنطق الشبيه بمنطق غورباتشوف – أخر
زعماء الإتحاد السوفيتي الذي فتتت نظريته عن الإصلاح الإمبراطورية
السوفيتية والتي إنبثقت عنها دول كبيرة وهامة مثل الاتحاد الروسي
أوكرانيا وروسيا البيضاء ودول أسيا الوسطى ودول اصغر حجما مثل جمهوريات
البلطيق ، وكانت نظرية جون ناش تلحظ أنه لا يمكن تنفيذ خطة نظرية "اللعبة"
ضد السوفيات إلا إذا أوصلهم سباق التسلح إلى حافة الانهيار الاقتصادي
وجاع المواطن السوفيتي وأنتشر العجز المالي في مؤسسات السوفيات وذلك سيحصل
(كما توقعت نظرية جون ناش) لأن اقتصاد السوفيات كان خلال الحرب الباردة
(1945 – 1990) يعادل ربع الاقتصاد الأميركي (من كل النواحي ) وبالتالي
فنظرية جون ناش توقعت بواسطة علوم الرياضيات بأن سباق تسلح تضع فيه أميركا
ربع مواردها المالية سيصيب الاتحاد السوفيتي إما بالإفلاس أو بالاستسلام
العسكري الشامل، وما حصل هو الخيار الأول حيث توقع ناش ولم يصدقه
المسئولون الأميركيون بل تفاجئوا بنجاح نظريته القديمة عند انهيار السوفيات
وهو ما حصل عام 1991.
عودة نظرية " اللعبة " إلى الواجهة بعد فشل خطة القرن الأميركي الجديد التي وضعها المحافظون الجدد
في رسالة بعثت بها مجموعة من (فضلا أنظر الوثيقة تحت)
المنظرين الأميركيين (الصهاينة بشكل عام ) والمعروفة باسم وثيقة القرن
الأميركي الجديد، إلى الرئيس الأميركي بيل كلينتون عام 1998 طالبت المجموعة
في وثيقتها بإتباع سياسة أميركية خارجية تجعل من العالم أجمع ملعبا
أميركيا خلفيا لا ينافسهم فيه أحد ولا قرار فيه لأحد سواهم وخاصة وذلك في
مواجهة أعداء لأميركا ضعفا وغير موحدين ما يجعل من الإرادة الأميركية في
العالم أمرا محتوما . تلك الرسالة طالبت فعليا بتحويل الولايات المتحدة
الأميركية إلى إمبراطورية استعمارية عالمية تستخدم قواتها العسكرية لضرب
أعدائها أينما كانوا . غزو العراق وحصار إيران وغزو أفغانستان وملاحقة
الصين في إفريقيا وقلب الأنظمة التي تتعاون معها والحرب الشيشانية
واليوغسلافية وصراعات أخرى بينها حرب العام 2006 على لبنان وخطة
احتلال سورية بعد العراق وخطة ضرب إيران وتحطيم قدراتها النووية والعلمية
والتسلحية، كلها عمليا جرت وفقا لخطة عرفها الأميركيون باسم وثيقة القرن
الأميركي الجديد والتي وقعها من عرفوا لاحقا بالمحافظين الجدد (حوالي
الخمسين شخصية من المفكرين والخبراء الكبار في السياسة الخارجية الأميركية
المنتمين للحزب الجمهوري وعلى رأسهم وليام كريستول المنظر اليميني المعروف
وجون بولتون والمرتد فوكوياما ونائب الرئيس السابق ديك تشيني ) .
فضلا أنظر الرابط :
عدم اللإستعداد الأميركي – شعبيا- لدفع أثمان بشرية باهظة
وانفلات عقد الهجوم العسكري بالفوضى العارمة التي أربكت الأميركي في العراق
وشعور جورج بوش وإدارته بأن حربا ثالثة إضافية ستشكل كارثة على مصيره
السياسي وعلى مصير حزبه داخليا وشعور مراكز البحث التي تدعم القرار السياسي
الأميركي وتنير له الطرق بأن وسائل الغزو العسكري والضرب المباشر ستكون
وخيمة النتائج في ظل وجود خيارات أخرى تحقق النتائج ذاتها دون قتال ودون
مصاعب تصيب الجيش الأميركي والرأي العام الشديد التأثر والسريع التحول ،
وإذا كان الأهداف ذاتها يمكن إن تتحقق مجانا فلماذا الدفع بنصف مليون جندي
لاحتلال إيران وللمرابطة على الحدود الصينية في آسيا الوسطى وفي جورجيا أو
أوكرانيا ما دامت روسيا والصين وكل دولة تنافس أو تتمرد على الولايات
المتحدة يمكن أن تسقط من الداخل بالحرب الناعمة ؟
تتابعون في الحلقة القادمة : تفاصيل وبنود عملية إسقاط
روسيا من الداخل وسوريا معها . ( أنظر المستند) : نظريات الحرب الناعمة
تخطيط اميركي قديم- صورة لدراسة تعود للعام 1957
0 التعليقات:
إرسال تعليق