تكلّمت في الجزء الأول عن طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني، وخيارات إزالة هذا الكيان، وفي الجزء الثاني عن الصراع الروسي الأمريكي على النفوذ والحرب التي تشنّها واشنطن على موسكو وإجراءات موسكو، وفي هذا الجزء سنتكلم عن استغلال سورية وإيران للصراع الدولي والمناخات الدولية لإنتاج مشروع القضاء على إسرائيل. 8- العرض الأمريكي على سورية وإيران: حاولت واشنطن الاستفراد بكل من سورية وإيران، فعُرض على إيران مقابل فقط توريد غازها إلى تركيا النفوذ على كل دول الخليج، وقيل للإيرانيين سيقبّل حذاءكم أفضل ملوك العرب ولكن إيران رفضت، وكذلك قيل لسورية فقط ساهموا بالقضاء على حزب الله وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل ونعوّضكم عن فلسطين والجولان بالنفوذ على أي دولة عربية تريدون، وكذلك السوري رفض، لأن السوري والإيراني يعلمان أن تمكين واشنطن من السيطرة على العالم سيعطيهما رفاهية لعدة أعوام ثم يدمرهما، وتجربة مصر حاضرة والتي لم تستفد من اتفاق السلام مع الكيان العبري سوى عام واحد، وأصبحت أسيرة هذا الاتفاق الذي أعادها للخلف سنوات وسنوات لتصبح أكبر مستورد للقمح بعد أن كانت تطعم العالم من قمحها، ولكن الإيراني والسوري كان لهما إستراتيجية مختلفة فرضتهما كبيضة قبان على السياسة الدولية. 9- عندما حفروا الحفرة للأسد: كان مدُّ خط الغاز العربي إلى سورية نوعاً من الخدعة، هدفه طمأنة سورية أنها غير مستهدفة من تركيا وقطر ومصر حسني مبارك وإسرائيل وأمريكا، وأن خط نابوكو لن يستهدف وحدتها، كونهم يعتقدون أن غاز شرقي المتوسط لا يعلم به أحد، وخط الغاز العربي هو الذي يبحثون عنه، وكان كالخديعة التي وافق عليها الأسد لتتحول إلى كابوس يقضّ مضاجع أعداء سورية، فكان هدف التحالف الأمريكي بالدرجة الأولى 1- جر سورية لدعم مد غاز شمال العراق إلى تركيا، 2- منع غاز شمال العراق من دخول سورية. 3- إغراء سورية بأنها ستصبح بلد عبور غاز للأوروبيين وستصبح بلداً هاماً فضلاً عن عوائد الغاز. 4- اعتقدوا أنه سيكون حصان طروادة يدخلون من خلاله إلى سورية. ولكن الذي حدث رغم توقيع اتفاق مع حكومة كردستان لمد الغاز إلى تركيا أنهم لم يأخذوا موافقة حكومة بغداد، وبالتالي لم ينالوا من سورية وإيران ما كانوا يتوقعون، ولم تنجح كل ضربات الجيش التركي شمال العراق في تأمين مسار آمن لخط الغاز، والأهم فشل العدوان على لبنان بعد الكشف عن غاز المتوسط علناً، ويبقى الأهم هو حرب القوقاز حين تدمرت إنشاءات الغاز في جورجيا وأصبحت اللعبة مكشوفة أن وحدة سورية هي المستهدفة عبر خط غاز شرق المتوسط، الموجود تفاصيله في الجزء الثاني من هذه السلسلة، وبالتالي حين رسم هذا الخط كان أردوغان يوهم السوريين بأنه سيمتد إلى تركيا، وبالتالي خط نابوكو لن يستهدف وحدة الأراضي السورية، وهكذا كانت خريطة خط الغاز العربي الذي وصل سورية وحسب أردوغان سيصل تركيا، وأملاً بدعم سورية لخط غاز من شمال العراق إلى تركيا.
ولكن الذي نفذ من خط الغاز هو جزءه السوري وهكذا أصبحت خريطته بعد حذف خط الغاز الوهمي الواصل إلى تركيا، والذي لم ينفذ ولن ينفذ.
10- خط الغاز العربي ينقلب من طعم للسوريين إلى ورطة للغرب وحلفائه: ما إن هدأت أوزار العدوان على غزة حتى أصبح حسني مبارك يعلم بوجود الغاز في المتوسط وحتى أصابه اليأس من خط نابوكو الذي يستحيل أن يمر دون خط غاز شرق المتوسط، وبالتالي دون حرق سورية ولبنان تماماً وهذا مستحيل وخصوصاً بعد أن علم أن الغاز يستهدف روسيا وبالتالي سيحدث صراع عالمي، وأدرك مخاطر هذا الخط على روسيا وعلم أن هذا الخط قد يؤدي إلى حرب عالمية قبل أن يرى النور والمراهنة عليه خاسرة، وكان أمام مأزق توقف الكيان الإسرائيلي عن شراء الغاز المصري في حال استخرج أي حقل غاز من المتوسط، وهنا أدرك أن سورية وإيران سيكونان المنقذ وربما روسيا، فسارع إلى استقبال وزير الخارجية الإيراني وبدأ بترتيب إعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، ولاحقاً استقبل بوتين وتعهد بتطوير العلاقات مع موسكو كما كانت أيام عبد الناصر، ولكن واشنطن كما تخلصت من بن علي والقذافي بسبب خط غاز نيجيري جزائري سيمر من تونس وتشارك بتغذيته ليبيا، كذلك تخلصت من حسني مبارك الذي من الواضح أنه رفض المشاركة في المشروع الجديد بعد هزائم إسرائيل، ولم يكمل حسني مبارك طريق انعطافه السياسي حتى أُقيل من السلطة، وجمّدت مرة أخرى عملية تطوير العلاقات مع موسكو وطهران، وبدأت تظهر معالم خطر خط الغاز العربي الذي سيضع لاحقاً مصر في الخندق السوري يداً بيد في مواجهة الكيان الصهيوني. 11:- إيران وسورية توقعان مشروع القضاء على إسرائيل: مع اقتراب تضاعف واردات الإتحاد الأوروبي من الغاز أدرك الإيراني أنه قادر على استثمار غازه دون الضرر بمصالح موسكو وهو الذي رفض سابقاً أن يشارك في خط نابوكو الذي اعتبرته موسكو عملاً عدائياً ضدها، فموسكو لا تريد من حجم السوق الأوروبية أكثر من الربع، والغاز الإيراني يمكنه حل المشكلات القانونية فهو لا يضارب على الغاز الروسي بل يكمله، وبنفس الوقت يمنع القوانين الأوروبية من البحث عن مصادر متعدّدة للغاز حين تسقط عن موسكو تهمة الاحتكار، ويحفظ لموسكو نفوذها في وسط آسيا، فلو أن طهران أعلنت في العام 2006 مثلاً عن نيّتها مد غاز إلى أوروبا لاعتبرته موسكو عملاً عدائياً ضد مصالحها، ولكنه في العام 2011 منقذ للموقف الروسي وأصبح على موسكو توقيع اتفاقيات إستراتيجية مع طهران كي تكبح جماح الأوروبيين حين يتحدثون عمّا يسمونه احتكار بيع الغاز، والأهم أن إيران لا تشكل تهديداً للمصالح الروسية في وسط آسيا، وهو الأهم بالنسبة لروسيا، وكذلك يمرّ من أراضي سورية الحليف الأهم لموسكو في الشرق الأوسط. ما إن أدرك السوريون أنهم أسقطوا مشروع الياسمينة الزرقاء وفي خضم الأحداث لسورية، وقّعت سورية والعراق وإيران اتفاقاً لمد خط غاز من إيران وصولاً لأوروبا، وهذه صورة لخط الغاز الإيراني الذي سمّاه الإيرانيون خط الغاز الإسلامي.
12- المشروع السوري الإيراني للقضاء على الكيان الصهيوني: ما إن أعلنت طهران ودمشق وبغداد عن توقيع اتفاق مد خط الغاز الإسلامي حتى أستيقظ العالم على أكبر حلم مزعج وهو خط الغاز العربي (الذي كان فخاً للسوريين) والذي يحيط إسرائيل من البحر المتوسط في مصر إلى المتوسط في سورية ومعه الغاز اللبناني، وبالتالي فجأة أصبح خط الغاز العربي الذي كان فخاً لسورية ورطة كبرى وبل كبرى جداً لإسرائيل، والسؤال المرعب: ماذا لو سار الغاز في هذا الخط إلى أوروبا..؟؟. 12،1:- الكارثة الكبرى على إسرائيل: ماذا لو سار الغاز في خط الغاز العربي إلى أوروبا..؟؟ هذا يعني مصر في المحور الإيراني السوري ومعهم العراق لأن غازها سيأخذ طريقه للاتحاد الأوروبي حين تفقد مصر السوق الصهيوني، ولكن المرعب أكثر أن أي عمل عدائي ضد إسرائيل لن تقوى على الرد عليه لأن الرد وقتها سيستهدف إمدادات الغاز الأوروبية وحين تشنّ أي هجمة ضد محيطها ستكون هجمة ضد الإتحاد الأوروبي، وستقف مع العرب ضد حليفتها كما وقفوا مع روسيا ضد أوكرانيا إبان حرب الغاز، حين ساهم الإتحاد الأوروبي بإسقاط الثورة البرتقالية للحفاظ على إمدادات الغاز، وبالتالي أصبح محيط إسرائيل معبراً للطاقة إلى أوروبا وأمنه من أمن أوروبا، بل سيصبح أي رد عسكري إسرائيلي على أيّ من بلدان الجوار هو اعتداء على أمن أوروبا والإتحاد الأوروبي. فكانوا بهذا الأنبوب يحفرون الحفرة الكبرى لسورية وقائدها، وإذا بهم في قعر الحفرة يطلبون النجدة من الأسد وسورية، ولم يكن بمقدور أردوغان إلا تمرير خط الغاز الروسي (السيل الجنوبي) والبحث عن طريق للتصالح مع سورية، وأما في قطر حيث يشنّون أكبر حملة ضد القيادة السورية فقد أدركوا ومن خلفهم أنهم حين كانوا يتآمرون على سورية ويحاولون خداعها كانوا يحفرون قبورهم بأيديهم. 12،2:- الكارثة على قطر: لا يمكن لقطر أن تلعب أي دور إقليمي إذا لم تكن مرتبطة بسوق الغاز الأوروبية، ولا قيمة لها من دون المشروع الأمريكي، وأصلاً الانقلاب الذي حدث في العام 1995 من الابن على أبيه كان نتيجة إلزام الإتحاد الأوروبي نفسه بمقررات قمة الأرض واتفاقية كيوتو، وتصدر قطر لبريطانيا 55% من احتياجاتها الغازية بسعر أقل بكثير من السعر العالمي، بل وبأقل مما يباع للمواطن القطري، ومع ظهور أنابيب الغاز دون الغاز القطري من أنبوب الصحراء الكبرى مروراً بالأنبوب المار بتونس وأنبوب الغاز الليبي وصولاً للإيراني والأنابيب الروسية الأربع سيعزل قطر عن أي دور سياسي لأنها ستصبح كبائع المفرق للغاز وسيقل الاعتماد على الغاز القطري ليعاد بيعه في محيطه وأمريكا الجنوبية وبريطانيا فقط، وبالتالي ستفقد أي دور سياسي في المنطقة. ويبقى السؤال الأهم: هل الإجراءات القطرية الإسرائيلية قادرة على إنقاذ إسرائيل من أنبوب الغاز الملتف حولها، وخصوصاً أن استهداف هذا الأنبوب تمّ 12 مرة خلال عام، وقطر تريد بيع الأردن الغاز مجاناً كي تضغط على الاقتصاد المصري وتعزل مصر عن سورية، في حين أن إسرائيل تحضّر لحرق مصر وما إعلان الكيان الصهيوني نيته مد سكك حديدية من البحر الأحمر للمتوسط إلا دليل على نيتها حرق مصر وإغلاق قناة السويس عبر استهدافها بأعمال تخريبية، وهو محور الجزء القادم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق