منذ فترة و«الجزيرة» تعاني من داء التسريبات داخل أروقتها. ولعل الأخطر كان اختراق «الجيش السوري الإلكتروني» المشغل الرئيسي «لقلعة الثائرين» وفق ما يصفها بعضهم، وكشف جزء يسير مما يحتويه هذا المشغل (السيرفير _ «الأخبار» 24 شباط/ فبراير 2012). «الأخبار» حصلت من مصادر داخل القناة على نسخة من «أمر اليوم» الذي صدر في مناسبة الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة في سوريا. إنّه تعميم خاصّ وجّهه مدير الأخبار في القناة إبراهيم هلال إلى الموظّفين مؤرخ في 15 آذار (مارس) 2012 بعنوان «تغطيتنا للشأن السوري». اللافت في الرسالة هو تغيّر لهجة مدير الأخبار في المحطة بحسب الرسائل التي حصلنا عليها منذ تعيينه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 حتى اليوم.
الرسالة الأخيرة التي بعثها هلال تندرج ضمن سياسة القناة القطرية التي نزعت قناع «الرأي والرأي الآخر» تدريجاً منذ انطلاق الانتفاضات، وخصوصاً في الملف السوري. بعد إطاحة وضاح خنفر المدير العام لشبكة «الجزيرة» إثر الفضيحة الشهيرة (الأخبار عدد ١٠ أيلول/ سبتمبر ٢٠١١)، حصلت تغييرات على مستوى إدارة الأخبار، فأوكلت إلى المصري إبراهيم هلال، خلفاً للجزائري مصطفى سوّاق الذي عين مديراً عاماً لقناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية فقط، وعُيَِّن الجزائري محمد صافي في إدارة الإدخال (input) خلفاً للأردني محمد داوود، كذلك عيّن الجزائري عبد الحق صداح في إدارة التخطيط. هذه التغييرات جرت وفق منطق تصفية الحسابات الداخلية، ليبدأ عهد الصقور في القناة القطرية...
في البدء، حاول مدير الأخبار الجديد المصري إبراهيم هلال ترميم التصدّعات التي أصابت القناة في مقاربتها الإعلامية للانتفاضات في العالم العربي. وكان قد وصف أداء المحطة أمام بعض المقربين بغير المهني، وخصوصاً في ما يتعلّق بالملف السوري. وهنا استهل مهماته برسالة (مؤرخة في الرابع من ت2/ نوفمبر بعنوان «تحية طيبة لكم جميعاً») إلى قسم التحرير، والمراسلين والمذيعين ومديري الأقسام، حاول من خلالها استعادة شعار القناة «الرأي والرأي الآخر»، واحترام المشاهد وعدم الوقوع في فخّ «نفي الآخر» و«التسلّط في الرأي». حتى إنّه عند تعيينه، نقل بعضهم عن هلال قوله حرفياً: «مهمتي هنا استعادة «الجزيرة» من أيدي عيال بيلعبوا فيها».
حاول هلال في البداية الضغط لاعتماد المهنية والدقة، وتقليص مساحة الملف السوري ضمن التغطية اليومية للمحطة، وخصوصاً في النشرات الرئيسية وفي طليعتها نشرة «حصاد اليوم»، فضلاً عن تقصير مدة التغطية المفتوحة كل يوم جمعة. كان يرى أنّ تلك التغطية لا تعطي قيمة مضافة للقناة، بل تضعفها. وكان يؤكد أمام بعض العاملين الأساسيين في قسم الأخبار أنّه غير مقتنع بأعداد القتلى اليومية التي تزودهم بها الهيئة العامة للثورة السورية، لكنّه مضطر إلى تبنيها.
أما الحادثة التي دفعت هلال إلى الخروج عن طوره، فكانت مقتل الصحافي الفرنسي جيل كاجييه في حمص في 11 كانون الثاني (يناير) الماضي، وطريقة تعامل قسم التحرير مع الخبر، من حيث الإصرار على إبراز عدد القتلى السوريين وتضخيمه، على حساب خبر مقتل صحافي فرنسي لاعتبارات تحريضية برأيه. هكذا، بعث رسالة بعنوان «مقتل الصحافي الفرنسي» (مؤرخة بتاريخ 12 ك2/ يناير 2012) حيث انتقد هذا «الشغف بأعداد القتلى»، منتقداً بشدة فريق الأخبار الذي أصبح شغله الشاغل «الاحتفاء بعدد القتلى»، مشدداً مرة أخرى على ضرورة تقديس شعار «الرأي والرأي الآخر» وعدم «تبنّي مواقف لكسب حبّ الجمهور».
إذاً، محاولات متكررة قادها هلال لإعادة التوازن إلى أداء المحطة من دون جدوى. والنتيجة فشل ذريع لتلميذ مدرسة «بي. بي. سي» البريطانية. هذا الفشل أفضى إلى الإقرار بالأمر الواقع، والسير وفق السياسة الخارجية القطرية. وهذا ما بدا واضحاً من اللغة التي اعتمدها هلال في آخر تعاميمه. إنّها الرسالة المؤرّخة بتاريخ 15 آذار (مارس) الحالي. الإعلامي الذي كان يصف نفسه بالمهني، انقلب بسحر ساحر. في تلك الرسالة التي حملت عنوان «تغطيتنا للشأن السوري»، بدأ هلال بمطالعة تاريخية تفيد بأنّ الجمهورية العربية السورية دولة عربية ذات سيادة مستقلة ووحدة ترابية، ليكمل بأنّ «الشائعات» التي طاولت أداء «الجزيرة» في الملف السوري دليل قوة. علماً بأنّه في مجالس خاصة بكبار موظّفي القناة، يعلم الكلّ أنّه لا أحد من موظفي المحطة يستطيع التعبير عن رأي مخالف للتوجيهات الأميرية بشأن الملف السوري، وإلا فسيكون مصيره، إما الإقصاء أو الإحراج للإخراج.
لكنّ البند الأهم في تعميم هلال كان تشديده على عدم إبداء المحطة أي معارضة في أدائها التحريري، لقضية التدخل الأجنبي في سوريا، وعدم التشكيك في أغراض الجيش السوري الحرّ وإبراز دور المعارضين، وخصوصاً من ذوي الأقليات. هكذا، تغيّرت لهجة هلال، ولم يعد يرى أي شوائب في أداء هذه القناة التي نجحت في أحد الأيام في التربع على عرش الإعلام العربي قبل أن تتحوّل إلى فرع من فروع الديوان الملكي.
في البدء، حاول مدير الأخبار الجديد المصري إبراهيم هلال ترميم التصدّعات التي أصابت القناة في مقاربتها الإعلامية للانتفاضات في العالم العربي. وكان قد وصف أداء المحطة أمام بعض المقربين بغير المهني، وخصوصاً في ما يتعلّق بالملف السوري. وهنا استهل مهماته برسالة (مؤرخة في الرابع من ت2/ نوفمبر بعنوان «تحية طيبة لكم جميعاً») إلى قسم التحرير، والمراسلين والمذيعين ومديري الأقسام، حاول من خلالها استعادة شعار القناة «الرأي والرأي الآخر»، واحترام المشاهد وعدم الوقوع في فخّ «نفي الآخر» و«التسلّط في الرأي». حتى إنّه عند تعيينه، نقل بعضهم عن هلال قوله حرفياً: «مهمتي هنا استعادة «الجزيرة» من أيدي عيال بيلعبوا فيها».
حاول هلال في البداية الضغط لاعتماد المهنية والدقة، وتقليص مساحة الملف السوري ضمن التغطية اليومية للمحطة، وخصوصاً في النشرات الرئيسية وفي طليعتها نشرة «حصاد اليوم»، فضلاً عن تقصير مدة التغطية المفتوحة كل يوم جمعة. كان يرى أنّ تلك التغطية لا تعطي قيمة مضافة للقناة، بل تضعفها. وكان يؤكد أمام بعض العاملين الأساسيين في قسم الأخبار أنّه غير مقتنع بأعداد القتلى اليومية التي تزودهم بها الهيئة العامة للثورة السورية، لكنّه مضطر إلى تبنيها.
أما الحادثة التي دفعت هلال إلى الخروج عن طوره، فكانت مقتل الصحافي الفرنسي جيل كاجييه في حمص في 11 كانون الثاني (يناير) الماضي، وطريقة تعامل قسم التحرير مع الخبر، من حيث الإصرار على إبراز عدد القتلى السوريين وتضخيمه، على حساب خبر مقتل صحافي فرنسي لاعتبارات تحريضية برأيه. هكذا، بعث رسالة بعنوان «مقتل الصحافي الفرنسي» (مؤرخة بتاريخ 12 ك2/ يناير 2012) حيث انتقد هذا «الشغف بأعداد القتلى»، منتقداً بشدة فريق الأخبار الذي أصبح شغله الشاغل «الاحتفاء بعدد القتلى»، مشدداً مرة أخرى على ضرورة تقديس شعار «الرأي والرأي الآخر» وعدم «تبنّي مواقف لكسب حبّ الجمهور».
إذاً، محاولات متكررة قادها هلال لإعادة التوازن إلى أداء المحطة من دون جدوى. والنتيجة فشل ذريع لتلميذ مدرسة «بي. بي. سي» البريطانية. هذا الفشل أفضى إلى الإقرار بالأمر الواقع، والسير وفق السياسة الخارجية القطرية. وهذا ما بدا واضحاً من اللغة التي اعتمدها هلال في آخر تعاميمه. إنّها الرسالة المؤرّخة بتاريخ 15 آذار (مارس) الحالي. الإعلامي الذي كان يصف نفسه بالمهني، انقلب بسحر ساحر. في تلك الرسالة التي حملت عنوان «تغطيتنا للشأن السوري»، بدأ هلال بمطالعة تاريخية تفيد بأنّ الجمهورية العربية السورية دولة عربية ذات سيادة مستقلة ووحدة ترابية، ليكمل بأنّ «الشائعات» التي طاولت أداء «الجزيرة» في الملف السوري دليل قوة. علماً بأنّه في مجالس خاصة بكبار موظّفي القناة، يعلم الكلّ أنّه لا أحد من موظفي المحطة يستطيع التعبير عن رأي مخالف للتوجيهات الأميرية بشأن الملف السوري، وإلا فسيكون مصيره، إما الإقصاء أو الإحراج للإخراج.
لكنّ البند الأهم في تعميم هلال كان تشديده على عدم إبداء المحطة أي معارضة في أدائها التحريري، لقضية التدخل الأجنبي في سوريا، وعدم التشكيك في أغراض الجيش السوري الحرّ وإبراز دور المعارضين، وخصوصاً من ذوي الأقليات. هكذا، تغيّرت لهجة هلال، ولم يعد يرى أي شوائب في أداء هذه القناة التي نجحت في أحد الأيام في التربع على عرش الإعلام العربي قبل أن تتحوّل إلى فرع من فروع الديوان الملكي.
لقراءة الروابط والوثائق المتعلقة بالملف كاملة انقر هنا
(انقر زر الفارة الأيمن ومن ثم اختار "save as" من القائمة)
(انقر زر الفارة الأيمن ومن ثم اختار "save as" من القائمة)
هكذا غزا الإخوان «ديسك» سوريا
أنشئ «ديسك سوريا» عندما تسلّم مدير الأخبار في «الجزيرة»، إبراهيم هلال، منصبه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. كانت مهمته متابعة أخبار سوريا التي تستقيها القناة منه حصراً. وكان لا يُسمح للناشطين أو للتنسيقيات بالتواصل مع المحطة إلا عبر هذا الديسك. أوكلت رئاسته الى السوري أحمد العبدة، شقيق أنس العبدة عضو المجلس الوطني السوري وأحد منظّري الإخوان. لكنّ أحمد العبدة يُعرف في القناة باسم أحمد إبراهيم كي لا يفتضح بأنّه شقيق العبدة. كما انضمت الى الفريق إيلاف ياسين التي عملت كمضيفة طيران VIP على الخطوط الجوية السعودية حتى بداية عام 2011. ويساند القسم مدير مكتب الجزيرة في باكستان السوري الإخواني أحمد زيدان الذي كان أحد المقاتلين السابقين في «الطليعة المقاتلة» في سوريا الثمانينيات.يتولّى الديسك مهمة فتح التغطية واختيار الناشطين وشهود العيان، والتواصل مع التنسيقيات. لكنّ مهماته تعدّت ذلك إلى مطالبة الناشطين السوريين بتنظيم تظاهرات ليلية في مناطق مختلفة من سوريا ولمدة وجيزة كي تُنقل على الهواء مباشرة أثناء نشرات القناة الليلية. وكان الهدف من ذلك تصوير التظاهرات على أنّها عفوية تحدث الآن بهدف إيصال فكرة أنّها مستمرّة لا تتوقف ليل نهار. أيضاً، كان ديسك سوريا يجبر قسم المقابلات على استضافة ناشطين في كل نشرة، حتى في غياب أي مستجدّات في الملف السوري والتحدث عن أمور وقعت في وقت سابق من أجل التحريض على النظام فقط.
وعندما اشتدت الحملة الأمنية على حمص منذ حوالى شهرين، طُلب من مراسلي مكاتب القناة في لبنان، وتركيا، والأردن أن ينتشروا على الحدود مع سوريا لتغطية الأحداث في الداخل، لكن من الحدود. والغريب في القناة التي تدّعي المهنية أنّ المراسلين المنتشرين لا يستطيعون بالعين المجردة رؤية ما يحدث في الداخل السوري. وهنا، أرسلت إدارة التخطيط في المحطة تعميماً يقضي بأن يزوّد ديسك سوريا المراسلين بالأخبار من غرفة الأخبار في الدوحة، وما على المراسلين سوى تلاوة هذه الأخبار والقول بأنّها تجري في المناطق القريبة من مكان انتشارهم. وأوكلت مهمة تزويد المراسلين بالمعلومات أيضاً الى مسؤول الديسك أحمد العبدة. وبينما يشكّك عاملون في ديسك سوريا، الحديث الولادة، بأرقام القتلة التي ترسلها الهيئة العامة للثورة السورية، يتجاهل الديسك كلياً الأرقام التي يعلنها الجيش السوري الحرّ عن عدد القتلى الذين أوقعهم في صفوف الجيش النظامي.
الصورة: من تظاهرة في دمشق
0 التعليقات:
إرسال تعليق