هل بدأت حروب التصفيات بين ثوار إدلب مع اشتداد تضييق الخناق عليهم من قبل الجيش السوري، وانحسار الغطاء الشعبي عنهم بعد تراكم الأخطاء، ومع قلة الذخائر والأسلحة التي ترشح من الحدود التي بات يطبق عليها حرس الحدود بشكل لافت ؟ وبعد تسليم المئات منهم أسلحتهم والتعهد للسلطات بعدم حمل السلاح والمشاركة في الشغب أو التخريب ؟
أريحا التي تشتهر بأطيب أنواع الكرز السوري، ذاقت الأمرين على يد المسلحين الذين سيطروا عليها ،موسم الكرز الذي كان يصدر إلى الخليج لم يجد من يقطفه العام الماضي ، و مصايف جبل الأربعين حيل بين أهل حلب وبينها، بل إن بيوت الحلبيين تم نهب الكثير منها ، ولم يبق موسر من أصحاب مطاعمها لم يدفع "خوة " أو يخطف له ابن بهدف الفدية، دخول أبنائها تراجعت كثيراً بسبب الأحداث وقطع طريق اللاذقية حلب الحيوي الذي يمر بالقرب منها عوامل أدت إلى انقلاب المزاج العام، بعد انتشار قصص التعذيب و " التشبيح " التي مارسها هؤلاء بحق مؤيدي النظام وحتى الحياديين الذين لم يتحمسوا للثورة.
ومع تسرب اليأس إلى صفوف المسلحين نتيجة صمود النظام وسيطرته العسكرية على معظم الأرض في المحافظة بدأت الأصوات تتعالى في أريحا منتقدة الجيش الحر و مسلحيه وممارساتهم .
أستاذ جامعي طلب عدم نشر اسمه قال: " حارتنا ضيقة ونعرف بعضنا ، أي جيش حر هم ؟ هل بيت العدل عائلة الجاسوس الإسرائيلي بسام العدل ، أم مسلحي بيت الحرصوني وبيت البخورة ؟ هم عصابات سرقت ونهبت وقتلت ،والناس تريد من الجيش سحقهم ، لكنهم يخافون من الإعدام و التعليق على أعمدة الكهرباء بعد محاكم خنفشارية لمشايخ نصف وهابيين ونصف جهلة " .
الأستاذ الجامعي أوضح " يوجد ميل لدى بعض المتمردين لتصفية خصومهم الأكثر سمعة سيئة ، و إيهام أهل أريحا ان هذا هو تطهير للثورة ممن ركب على ظهرها " ثم ينهي حديثه ساخرا " هل تصفياتهم لبعضهم ستكون حركة تصحيحية مباركة ؟ ".
يشار إلى أن طياراً في سلاح الجو السوري يدعى بسام العدل فر بطائرة من نوع ميغ 21 في الثمانينات بعد تجنيده من قبل الموساد ، وقد تبرأت عائلته منه و هدرت دمه ، إلا أن قلة من أقاربه اليوم حملوا السلاح ضد السلطة .
وروى مسلح أطلق سراحه بعد توقيعه تعهداً بعدم حمل السلاح يدعى " فراس " ( اسم مستعار ) كيف كان محمود الحرصوني يروي له قصصاً مرعبة عن تعذيب المخطوفين وقتلهم و التفنن في تعذيبهم ، وقال الشاب الذي كان يعمل مع والده في بيع الخضار في سوق أريحا " كان دوري هو المشاركة في الحواجز، لم يأخذوني معهم إلى أي عملية، وبالفعل كنت أخاف الذهاب رغم فرحي بحمل السلاح و التباهي به أمام أهل أريحا،كانوا يقصون علي قصصاً مرعبة عن قطع رؤوس عناصر الأمن ،وتعذيب الروافض ،علاقتي كانت مع أبي محمود الحرصوني، كان يعطيني مبالغ من فترة لأخرى لأن دخلنا تراجع في بيع الخضار ، وكان هو المسوؤل عن التعذيب و الاتصال بأهل المخطوفين.
المخطوفون لم يكونوا فقط من أبناء الساحل أو الفوعة و القرى المماثلة لها مذهبياً أو العسكريين ، بل تعداهم أيضاً إلى أبناء العائلات الموسرة في إدلب و أريحا نفسها ، و التهمة هي معارضة الثورة و عدم مساعدة الجيش الحر بالمال ، و غالباً ما تنتهي عملية خطف أبناء إدلب بدفع المال ، وكثيراً ما ينتهي خطف الآخرين بالموت بعد التعذيب.
المسلح الذي عاد لبيع الخضار على عربة والده أكد أن الانشقاق في صفوف مسلحي أريحا كان هو الأكبر منذ بدء التمرد ، حيث أنذر ضابط في الفرقة السابعة المسلحين عبر الوجهاء لتسليم أنفسهم خلال 6 ساعات ، الأمر يبدو كان محضراً له سلفاً ، لأنه خلال ساعتين انسحب العشرات وبينهم أحد أقاربي الذي أقسم لي بعرض أخته أن الجيش سيمسح الأرض بالمسلحين و أنه على علم باتفاق زعيم مجموعتنا مع الأمن على ترك الثوار و العفو عنهم بعد توقيع التعهد مباشرة .
المشاكل تفاقمت في صفوف المسلحين ، مع تراجع المردود المادي من السلب و الخطف ونهب شاحنات البضائع، نتيجة إحكام الجيش انتشاره ونصبه الحواجز وتقطيعه أوصال المنطقة ، وتراجع النشاط الاقتصادي في سورية .
" " م- أ " وهو شقيق ناشط في تنسيقية أريحا وصف ما يجري بأنه " تصفية حسابات لا أكثر بين العصابات المسلحة و بعض قياداتها مرتبط بناشطين " مثقفين " نصحوهم بأن يترافق ذلك مع إعلان براءة من ممارسات الذين تتم تصفيتهم وتحميلهم وزر كل ما جرى من انتهاكات، وذلك لتبييض صفحة الثورة و إفهام الناس أن الثورة الحقيقية لا تقبل تلك الممارسات، بالتزامن مع وصول المراقبين ولتحريك المظاهرات من جديد ".
و أضاف الشاب الذي اعتقل في المخابرات الجوية لأكثر من شهرين وهو عاجز عن الحركة منذ ذلك الوقت " ما يجري تضليل جديد للشعب السوري ، فالسلطة هي من قتل محمود سعيد الحرصوني الذي يتزعم عصابة مسلحة باسم الثورة ، ويريد الجيش الحر أن يدعي انه هو من قتل الحرصوني لأنه كان يسلب وينهب ويخطف ويطلب فدية من أهل أريحا وريفها".
و أن " تهديدات صدرت من قيادات الجيش الحر في المنطقة لعدد من المجموعات يقف على رأسها كل من أبو أدهم خربوطلي و المعتصم بالله ريحاوي،وحمزة معتوق الملقب بــ " الكوساية " و للعشرات من عائلات حرصوني و العدل و البعاج والياسين وبخورة ، بان نهايتهم باتت وشيكة حيث صدرت أحكام شرعية بتطبيق حد الحرابة عليهم كقطاع طرق ، وسيتم تنفيذ الحكم بهم كما كان شيخهم مدين آصلان ينفذ أحكام القتل بالمخطوفين والعساكر".
منذ خمسة أشهر اختفى أنور دعاس الملقب بالسجر بائع المشبك الشهير في سراقب،والذي تحول بين ليلة وضحاها إلى "قائد ثوري" لديه حراس شخصيون، وعشرات المسلحين و المريدين، و تكومت بين يديه ملايين الليرات، و شحنات لا حصر لها من البضائع تبدأ بالطحين والسكر ولا تنتهي بحاملات السيارات من موديلات العام 2012 .
والحديث في سراقب عن تورطه في اغتيال ابن المفتي مقابل مبلغ 100 ألف دولار أمريكي يعادل 7 مليون ليرة سورية ، لحساب الشيخ زاهر بعدراني الذي تم تعيينه مؤخراً مرشداً روحيا للجيش الحر في تركيا ،وهو من المحسوبين على تنظيم الإخوان المسلمين المحظور في سورية، يعاكسه كلام عن تصفيته من قبل صاحب السوابق ميلاد الرزاز الذي قتل بدوره على يد الجيش في كانون الأول الماضي، و كلام آخر عن احتجازه لدى "كتيبة النور" وهي قوة سلفية فرضت نفسها في المنطقة وتم قتل و اعتقال معظم أفرادها نهاية آذار الماضي في عملية واسعة للجيش السوري.
" م – ح " وهو ناشط سابق في تنسيقية شباب الثورة في سراقب قال " هذا الشخص ( أنور دعاس )مندس على الثورة،ولا نستبعد أن يكون عميلا مزدوجا، لقد فرض نفسه على الحراك السلمي بحجة حمايته،وبدأ يقطع الطريق العام،وينهب الشاحنات،و يخطف المسافرين مقابل فدية ، وعندما أثرنا هذا الأمر جوبهنا باستنكار شديد من عامة الناس،لأن ذلك سيثبت ادعاءات النظام بأنه يوجد عصابات في صفوف الثورة ، كما أنه من أهم ممولي المظاهرات".
و أضاف " تم طردي من التنسيقية و التشهير بي ،واستمر أنور دعاس بممارساته، ولم يتساءل أحد عن الأسلحة التي قام بتأمينها لعشرات المسلحين،و الملايين التي كان ينفقها، و السكر والطحين والمازوت الذي كان يوزعه، وهو مما كان ينهبه من الطريق، فقط عندما حصل خلاف على توزيع المغانم بدأت الآخرون يتحدثون عنه وعن لصوصيته".
الناشط المملوء قلبه مرارة قال " في كل مرة كنا نثير فيها قضية هذا المجرم كان التبرير، لا يجب أن نعطي النظام أي حجة لتشويه سمعة الحراك السلمي،وفي إحدى المرات تم ضربه وطرده من المظاهرة،ورغم ذلك استمر في سلوكه وكادت أن تحدث فتنة بين الثوار بسببه،مع انه حاولنا فصله من الثورة بعد إثارتي لموضوعه علنا بعد شهر رمضان لكن المال لعب دوراً ، في بقائه قائداً ثورياً ".
أنور دعاس اختفى بعد أن جنى عشرات الملايين من " الثورة " وفق الناشط الذي يقول " لا يعرف لا أحد يعرف أين هو الآن هل قتل في الاشتباكات مع الجيش أم اعتقل أم هرب إلى تركيا مع عدد من الناشطين الذين " قبروا الفقر " أو هو مخطوف لدى كتيبة أبي بكر الصديق أو غيرها من كتائب الجيش الحر، لكن الاعترافات التي بثها تلفزيون النظام،عن منفذي عملية اغتيال سارية حسون ابن المفتي، ربما تشير إلى أنه معتقل لدى السلطة لا لدى الثوار"..
الشاب ردد أسماء كثيرة ممن ركب الثورة حتى ناءت تحته " أذكر مقتل أخطر المجرمين ،محمد حسين المشرف وميلاد الرزاز الذين قتلا في كانون الأول من العام الماضي وهما قاطعا طريق لا أكثر، جرى لهما جنازات شهداء ، أنا اليوم استغرب كيف كنا نتصرف بمنطق أي شيء مباح لنا ضد النظام ، حتى وصلنا إلى الهزيمة ". .
شاب آخر نشط في التنسيقية ثم تركها وانتقل إلى حلب حيث يدرس في جامعتها قال " اعتقد انه تمت محاولة خطف أنور دعاس من قبل شباب كتيبة أبي بكر الصديق، بعد أن أشاع في سراقب أنهم أنزلوا ضابطا برتبة مقدم من قرى حماة اسمه علي مهنا وقتلوه ، ثم عمموا على وسائل الإعلام أنهم قتلوا رئيس أركان القوات الخاصة في جبل الزاوية و أنه من قصف حمص ودرعا ،وابن خالة بشار الأسد ومن القرداحة ، بينما المقدم كان يخدم في الأكاديمية بحلب وحدثت ضجة كبيرة بسبب الجريمة " .
و أضاف " هذا ليس من رفعة أخلاق أنور الدعاس ، بل لأنه نصحهم بعدم قتله ومفاوضة ذويه على مليون ليرة على الأقل، من هنا بدأ الصراع بين كتائب الجيش الحر التي تريد القتل و إرهاب الجيش ، و مجموعة أنور دعاس التي كانت حريصة على جمع المال أكثر من القتل ".
الطالب الجامعي أكد أن الخلافات تعصف بالثوار منذ شهور ،عشرات القتلى وقعوا في حروب التصفية بين الثوار بسبب خلافاتهم، وسوء تدبيرهم ، وعائلة الشهيد ماهر الصوفي تحمل عائلة باريش مسوؤلية مقتل ابنها خلال العملية الأخيرة للجيش .
و أنهى حديثه بأن الأمر الغريب الذي بقي يوحد بينهم هو تشييع قتلاهم الذين يسقطون خلال التصفيات الجسدية لبعضهم البعض على أنهم شهداء حرية قتلوا بيد الأمن أو الجيش .
0 التعليقات:
إرسال تعليق