من حيث يدري وفي خطوة تفضح الدور غير الخفي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية على صعيد الأزمة في سورية، قام السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد بنشر صور التقطت من الفضاء على صفحته على موقع "فيسبوك" ليقول أن "السلطات السورية لا تفي بالتزاماتها بسحب القوات من المدن"، وذكر السفير أن "هذه الصور التي إلتقطتها أقمار صناعية أميركية تبين أيضا أن الجيش السوري لديه مدفعية مصوبة تجاه مناطق مدنية"، ما قاله فورد ليس بجديد خصوصا وان الحكومة السورية طالبت المبعوث الأممي كوفي أنان بتعهد خطي من الجماعات المسلحية بعدم الإقدام على احتلال المدن السورية بعد مغادرة القوات الحكومية السورية لها، ما يعني ان القوات السورية لا زالت تنفذ انتشارها الأمني لمنع سيطرة المسلحين على المدن السورية وقيامهم بأعمال القتل والترهيب بحق المدنيين.
لكن الأخطر هو أن السفير الأميركي كشف جانباً جديداً من الدور الأميركي اللوجستي في دعم الجماعات المسلحة في سورية، فما معنى أن يقوم السفير الأميركي بنشر صور من الفضاء للمدن والمحافظات السورية التي تشهد مواجهات مع المسلحين، وهذا ما يسمى في العلم العسكري بـ "الإحداثيات" التي تقوم جهة محددة بتزويد الجماعات الموجودة على أرض الميدان بها لتنفيذ هجماتها ضد الأهداف بدقة كبيرة، وهذا ما يمكن وصفه بالعمل الجاسوسي الواضح والصريح، فما معنى أن تقوم الأقمار الصناعية التابعة للولايات المتحدة بتصوير الأراضي السورية ونشر تلك الصور، وهل الهدف من نشرها تزويد المسلحين في سورية بها فقط أم يتعدى ذلك لإرسالها الى القيادة العسكرية الصهيونية، خصوصا وان تلك الصور تسهل مهمة الطيران الحربي في حال قرر تنفيذ أي عدوان ضد الأراضي السورية؟
من جهته يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أمين حطيط ان السفير فورد بالدرجة الأولى ليس مكلفاً بمراقبة ما يجري في سورية لا من قبل مجلس الأمن، كما انه لا يوجد مراقبين أميركيين لمراقبة الاوضاع في سورية تحت سلطته، وبالتالي أي عمل من هذا القبيل يندرج في سياق التجسس والعدوان على الأراضي السورية، واعتبر ان وحدات الجيش السوري تقوم بالعمل لاستعادة السيطرة على مواقع احتلها الارهابيون بدعم أميركي، ويذكّر حطيط بالدعوة التي وجهتها واشنطن الى المجموعات المسلحة في سورية لعدم القاء السلاح، ويتابع: "هنا يتكشف الدعم الأميركي للمسلحين ودفعهم لمواجهة السلطة التي وجهت الدعوة للمسلحين كي يلقوا اسلحتهم ويستفيدوا من العفو العام الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد".
واعتبر انه ليس لأميركا ان تتدخل في العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري من اجل استعادة السيادة والسلطة على ارض يسيطر عليها ارهابيون خارجون عن القانون، وعندما يقوم السفير الاميركي وينشر صورا تتعلق بمواقع الجيش السوري، فهذا تنطبق عليه كل معايير التجسس والتدخل بشؤون دولة ذات سيادة وتتمتع بقرارها المستقل. ورأى العميد حطيط ان المحاولات التي كانت تبذلها اميركا لتشّرع تدخلها في سورية عبر مجلس الأمن سقطت عبر الفيتو الروسي – الصيني، وبالتالي لم يعد يوجد عنوان للعمل من خارج سورية الآن إلا عبر مهمة كوفي أنان، وهو وحده المخوّل بأن يقود كل شيء يتعلق بالتصرف السوري، وبما يطلب او لا يطلب من هذا الفريق او ذاك في سورية، وعندها على الفرقاء الاخرين اذا كانوا يريدون مصلحة سورية ان يؤازروا مهمة أنان، والا يتخطوه بأي عمل من الأعمال ويرى حطيط "أن هذا العمل في اشارة الى ما قام بها السفير فورد يتخطى مهمة وعمل كوفي أنان"، ويقول: "اذا كانت اميركا تفاخر بأن لديها القدرة على تصوير المواقع العسكرية السورية بالأقمار الاصطناعية وباستخدام اجهزة التجسس والمراقبة، فنحن نقول أيضا أن اميركا وعبر إعلامها المباشر وغير المباشر تقوم بتركيب الصور وفبركة الأفلام التي تعارض الحقيقة في سورية، ويتابع حطيط "لهذا السبب نحن نرى في الموقف الاميركي من حيث المبدأ أنه تدخل في الشأن السوري وتجاوز لكل الأعراف والمبادىء التي نصّ عليها اتفاق الأمم المتحدة، ويخت حطيط قائلاً: من ناحية الصدقية "نحن لا نثق بما يصدر عن عن اميركا فهي تسخّر الجرائم الاسرائيلية، بينما عندما تتعاطى مع ما يتعلق بالمقاومة فهي تضخم الأمور".
لعل ما قام به السفير فورد يذكرنا بما كان يقوم بها جواسيس وعملاء "إسرائيل" في لبنان أثناء حرب تموز حيث كانوا يقومون بتحديد أهداف ونقاط محددة تمكّن الطيران الحربي الإسرائيلي من تحديد أهدافه وقصفها من الجو بدقة كبيرة.
اذا وبعد إعلان واشنطن في وقت سابق أنها قامت بتزويد المعارضة السورية المسلحة بأجهزة اتصالات حديثة ومتطورة توفر للمسلحين الاتصال بالاقمار الصناعية ها هو سفيرها ينشر صور للمواقع وللأراضي السورية، وهنا يصبح السؤال أكثر مشروعية عن مدى الدور والدعم اللوجستي الأميركي المقدم الى الجماعات المسلحة في سورية، وهل وصلت واشنطن الى مرحلة اليأس من أدواتها العاملة على الأرض داخل سورية، خصوصا بعد أن تم اعتقال وكشف عدد من الشخصيات الأجنبية التي دخلت سورية باعتبار أنهم صحافيين ليتبين لاحقا انهم يقومون بأعمال تجسسية واستخباراتية؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق